نسكيات البابا كيرلس السادس 2
( قراءاته - اتضاعه وبغضه المديح- معاملته لنفسه )
قراءات البابا
لقد كان الكتاب المقدس هو صديقه الحميم الذى يلتقى به كل يوم. ولا يمل القراءة فيه، وكذلك كانت كتب القديس مار اسحق السريانى، لا يكف عن مطالعتها رغمأنه كان يحفظ الكثير منها، وسبق أن نسخها عدة مرات.
وكذلك كان يقرأ كل الكتب الدينية التى طبعت فى عهده المبارك، وما أكثرها، وكان يعلق على ما جاء بها، وكذلك المجلات الدينية، لا يهمل فيها سطراً، ويبدىملاحظاته لمحرريها فى مقابلاتهم لقداسته ويخرجون من عنده منتفعين.
اتضاعه وبغضه المديح
ولا تجدى الكلمات فى وصف اتضاع البابا، فالاتضاع فضيلة لا توصف بل أعمال وحياة ناطقة، وبين طيات هذه المذكرات وجدنا، كما سنجد أمثلة حية لهذاالاتضاع.
أما عن بغضه المديح فسأكتفى هنا بذكر واقعتين للدلالة على بغض قداسته له من كل قلبه.
بينما كان أحد الأباء الكهنة يعظ فى دير مارمينا بمريوط ذكر معجزة حدثت بصلوات البابا، فخرج البابا من الكنيسة واتجه إلى قلايته، وعاد مع قرب انتهاء العظة، وكان واضحاً من عينيه الباكيتين، ومن ملامح وجهه ماذا صنع بنفسه فى قلايته.
كما حدث ذات مرة أن قدم محاسب بعمارة رمسيس بالقاهرة إلى المقر البابوى ومعه ابنته الصغيرة لمقابلة البابا، ولما دخلت وركعت أمامه، رفعت نظرها إلى أعلالتقبل الصليب، فرأت منظراً عجيباً، فلم تستطع القيام حتى أقامها البابا، وخرجت الصبية تحكى لأبيها ما رأت. وفى اليوم التالى جاءت الصبية مع والدها، وقابلتالبابا، وقالت له أنها بالأمس رأت هالة من نور حول رأسه وتصل إلى كتفيه.
انزعج البابا لقولها هذا، وقال: "احفظنى يارب.. احفظنى يارب " قال هذا وهو يشيح بوجهه عن الصبية.
وكثيراً ما كنت أسمعه يقول تحقيراً لنفسه "الواد عمل بطرك". وكان إذا طلب امراً، ووجد كثيرين يسرعون إلى تلبية طلبه، كان يقول ببساطة: "جلبيته لحد ركبته،وعشرة فى خدمته".
وفى تضاعيف هذه المذكرات سنجد صوراً ناطقة لحياة الاتضاع الكامل .
وإذا كان العطف والحنان هما السمة المميزة لمعاملة البابا للآخرين ، إذا كانت البسمة المعزية هى هدية سمائية يقدمها لنا البابا .. فماذا ترى كان يصنع البابا معنفسه؟.
ولكى تعرف الإجابة على هذا السؤال ، فلنقرأ معاً هذه الصفحات.
معاملة البابا لنفسه
حقاً إنك رجل الله
أثناء الصوم الكبير فى عام 1969 ، أعطانى قداسة البابا زجاجة صغيرة بها ثلاث حصوات ، وطلب منى أن أعرضها على الأستاذ الدكتور/ عزيز فام - أستاذجراحة المسالك البولية بكلية الطب جامعة القاهرة ، وأخبره بأن هذه الحصوات قد آلمت البابا كثيراً عند نزولها. ولما رأى سيادته هذه الحصوات صاح قائلاً: "أناصغر حصوة من هذه الحصوات يحتاج إنزالها إلى عملية . أسرع إلى قداسة البابا لتوصيه بالإكثار من شرب الماء طوال النهار، وإنه إذا أراد الصوم فإنه يمكنهالامتناع عن تناول الطعام، ولكن لابد له من الإكثار من شرب الماء للحيلولة دون ترسب الأملاح فى الكلى . ولكن البابا أجابنى ببساطة : هل نترك الله ؟ .. هلنترك الشهيد مارمينا؟.
وبعد ذلك بيومين حضر الأستاذ الطبيب للاطمئنان على صحة البابا ، وسألنى عما إذا كان البابا يكثر من شرب الماء من عدمه؟ فأخبرته ان البابا مستمر فى صومهكالمعتاد ، فصاح سيادته قائلاً : إن الكتاب يقول " لا تجرب الرب إلهك" وسمع البابا صوت الطبيب فاستدعاه، وأعطاه زجاجة أخرى بها حصوتان، وقال : "انالشهيد مارمينا قد ساعدنى فى إنزال هاتين الحصوتين أيضاً .. وهنا هدأت ثورة الطبيب .. وقال له: "حقاً أنك رجل الله ... قد أمنت بك" وأخذ الحصوات واحتفظبها لتكون شاهداً على قوة إيمان البابا ... وعلى قوة اتكاله على الله .. وعلى تمسكه بزهده، ونسكه.