دعوة للتوبة
إليك الآن نداء إلهيّ يقول: " الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ " ( مز95: 7،8)، فصوت الله يُنادي، يرن في الأُذن، عن طريق الأنبياء ينادى، وعن طريق الخدام يُنادي، بأعمال المحبة يُنادي، وفى التأديبات يُنادي لإيقاظ ضمائرنا وتنبيه عقولنا، صوت الرب يناديك لتهرب من نجاسات العالم، لتُنكر الفجور والشهوات العالمية وتعيش " بالتَعَقلْ واَلَبرْ والتَقوىَ " (تي12:2).
ضع في اعتبارك أنَّ كل وقت يمضى وأنت بعيد عن الرب، تزداد الخطية تأصّلاً في قلبك، وما لا تُتممّه اليوم قد لا تُممّه في الغد، لأنَّ الحياة: " بُخَارٌ يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ " (يو14:4)، أليس مكروباً صغيراً لا يُرى بالعين كافٍ أن يقضى علينا؟! ولا تنسى الميتات الفجائية التي تقضي على الإنسان فى لحظة، فكم من أُناس خرجوا من بيوتهم سالمين، وعادوا إليها محمولين على الأكتاف، فالوقت مُقصّر والأيام شريرة، ولأتفه الأسباب يموت الإنسان "! لأنَّ سمة الإنسان الأساسية ليس قوته بل ضعفه.
إنَّها دعوة الآن للخروج من سجن إبليس المظلم، والانحلال من قيوده، انتهر هذا الصديق الشرير وتحرر من صداقته الفاشلة، وقل له: قد أفنيت حياتي في خدمتك! لكنى لم آخذ منك سوى الحزن والألم والخزي والعار والفقر والمرض॥ لقد وجدت من هو أحسن منك، يسوع حبيبي الذي سأصادقه مدى الحياة، لأنّه لا يأخذ منى شيئاً بل يُعطيني بسخاء ولا يُعيرني، يُعطيني محبّة، فرح، سلام... التي هى ثمار روحه القدوس، أنت تجرح وهو يعصب جروحي، أنت تُميت وهو يحيى، أنت تهلك وهو يُخلّص ما قد هلك، أنت إلى الموت تُسلمني وهو إلى الحياة الأبدية يقودني.
قد أوشكت حياتك أن تغرق فى بحر العالم المملوء إثماً والمضطرب بأمواج الشر، ولكي تعبر لابد من سفينة، وليس هناك أفضل من سفينة التوبة ذات الأشرع الحريرية والمجاديف الذهبية، نستطيع بها أن تصل إلى بر الأمان.
لا تيأس فالأرض مهما امتلأت أشواكاً، بمجرد أن تُفلح تصير جيدة وصالحة للزراعة، فابدأ من الآن بحرث تُربة قلبك من جديد، إجمع أشواكها واحرقها بنار الحُب الإلهيّ، وأروها بماء التوبة، وألقِِ عليها بذار الإيمان والرخاء، وتأكد أنّها سوف تثمر، ولا تقل: إنّي سقطت ولا أستطيع القيام، فاليأس من حيل الشيطان، وهو الذي قاد يهوذا الإسخريوطيّ إلى الانتحار! فما أكثر الذين قد سقطوا وقاموا من قبلك، وها سليمان الحكيم يقول: " الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ " (أم16:24)، وكيف لا نستطيع القيام والمسيح قد وضع لسقوط وقيام كثيرين؟ (لو34:2).
تطلّع إلى راحاب الزانية، التي سقطت مراراً، وقد لقبت بالزانية، كيف عندما تابت قبلها الرب، وزادها شرفاً بأن جاء من نسلها المسيح؟ وانظر إلى السامرية والحياة الفاسدة التي عاشتها، لقد عاشت مع ستة رجال في الخطية، ولكن ما أن تقابلت مع يسوع ورأت الطهارة تملأ عينيه، تحرَّكت عواطفها النبيلة، فآمنت وبشَّرت بعريسها السماوى (يو18:4)، وتأمّل سقطة داود الملك والنبيّ العظيم॥ كيف زنى وقتل؟! ألا يستحق هذا الزاني الموت رجماً بالحجارة كما تنص الشريعة، لكنه تاب ونظر الله إلى توبته أكثر مما نظر لسقطته.
ظلت مريم المصرية (17 سنة) تحيا فى الخطية وبسببها قد هلك شبان كثيرون، ولكنها عندما تابت قبلها الله وصارت قديسة عظيمة، وها نحن الآن نُطوّبها ونطلب شفاعتها، أيضا أُغسطينوس كان يشرب الإثم كالماء، وقد وصل به الفساد أن أنجب طفلاً من الزنى، ولكنّه عندما عزم على ترك الفساد ليحيا مع الله قَبِله فرحاً.
فتقدم إلى الطبيب وأسكب أمامه دموعك، فالطبيب السماويّ يريد أن يشفى جراحاتك بدموع التوبة الصادقة، فهى أعظم دواء لأخطر داء، ولا تخف منه فهو ليس قاسياً، ولا عديم التحنن، ولا فاقد الرحمة، ولا يستعمل دواء مضراً ومؤلماً، لتكن لك الثقة فى المراحم الإلهية، فالله على استعداد أن يقبل توبتك ويغفر لك، ولو كنت على فراش الموت، هذا ما فعله السيد المسيح مع اللص اليمين وهو فى آخر لحظات حياته.
مرسلة بواسطة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في ٢:٥٨ م
1 التعليقات
الجمعة، ٥ مارس، ٢٠١٠
شجرة جافة تبحث عن ماء الحياة
كانت إمرأة من السامرة ساقها الهوى فى زمن الصبا إلى متاهات الضلال، فى كهوف الخطية عاشت تتقلب كالحشرات فى زواياها، لقد لفت الخطية بذيلها السام الطويل على عنقها، وزينت لها الدنيا بالزهور، وأفعمت هواءها بالعطور، وأوهمتها بأن ليل الشهوة مضيء، ومملوء بالفرح والسرور.
وانفصلت المرأة كحمل جريح عن سرب القطيع، وصارت الوساوس تتقلب فى عقلها، مثلما تتقلب العقارب والأفاعي على جوانب المستنقعات والكهوف، وينجح شيطان الزنى النجس، أن يزوح زهرة ربيعية بأوراق خريفية واضعاً النهار فى صدر الليل!
وتذهب المرأة إلى بئر يعقوب، وأخيلة الأشجار القائمة على جانبي الطريق، تتحرك أمامها كأشباح قد انبثقت من شقوق الأرض لتخيفها! لكن يسوع يتخطى التقاليد البالية ويذهب إلى شجرة جفت أغصانها وتساقطت أوراقها، إلا أنها لازالت تحمل جذور حية وإن كانت مختفية فى ظلمة الأرض!
وهناك على البئر يجلس ابن الإنسان ليستريح من تعب المسير، وهو فى الحقيقة تعب أكثر من المشي وراء الضالين والساقطين، وما هى إلا لحظات حتى وجدت السامرية نفسها أمام وجه مضيء كما لو كان كوكباً قد هبط من السماء، وقد كان لقاءها بالمسيح أول فصل فى رواية الحياة ، حياة الحب الطاهر البريء، الذى لم تختبره فى ست رجال، ومنذ أن تقابلت مع البار، وهى لم ترتدِ سوى ثياب الطهارة ! لقد صارت كزنبقة الحقل بل فاقتها بياضاً وجمالاً !
لا ننكر أنها اضطربت من هيبته، وشعاع الطهارة المنبعث من عينيه، وكيف لا تقلق الطريدة وقد باغتها الصياد! أو الظلمة وقد داهمتها جيوش النور! لكنها ظلت تحدق فى عينيه كأنها تبحث عن شئ، تنظر إليه نظرة غريق نحو نجم لامع فى قبة السماء ! ثم أحنت إلى الأرض رأسها ونظرت إلى طبيعتها الترابية، لأنها لم تحتمل أشعة طهره، التى كانت تنبثق لا من عينيه فقط، بل من كل حواسه ! وبصوت هادئ وديع يضارع نغمة الناي رقة قال لها يسوع: أعطيني لأشرب !
فشعرت تلك الجائعة إلى الحب الطاهر بعاطفة عذبة قوية، تتمايل كالنسيم الهادئ بين ضلوعها، ويستحوذ يسوع على قلب السامرية، وبحكمة سماوية يطلب منها أن تذهب وتأتى بزوجها، وتعترف المرأة بخطيتها وأنه نبى، فشعاع الحب قد اخترق قلبها، فلما تحدثت عن الماضي بصدق تحول ماضيها الخريفي إلى ربيع دائم تفتحت زهوره وفاحت رائحة عبيره.. فتركت عند البئر جرتها وهى فى الحقيقة فقد تركت خطيتها، لتبشر بعريسها السماوي.
لقد كانت ظلاماً فأصبحت الآن تشع نور التوبة والإيمان، وها هى تذهب لتشيع النور فى كل مكان، وتكحل عيون الجالسين فى الظلمة وظلال الموت، فتحول الطريق الذى كان قبلاً مخيفاً، إلى مهرجان كبيرأو قل أعظم عيد، فكان الشجر يصفق لها، والحجر يغنى ابتهاجاً بخلاصهاً!
مرسلة بواسطة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في ٦:٣٧ ص
0 التعليقات
الثلاثاء، ٢ مارس، ٢٠١٠
لماذا الخطية ؟!
أخي الحبيب/
أراك تحيا في العالم منهمكاً بمادياته، متلذذاً بشهواته، ومخدوعاً بأوهامه، وقد تركت الحيّة الخبيثة تهزأ بك، فعضَّتك بأنيابها، ومزقت ثوب النور البهيّ الذي كنت لابسه، وألبستك عوضاً عنه ثوب الليل المظلم الذي هو ثوب الخطية
ألا تعلم أنَّ الخطية بذور خبيثة، ما أن تُلقى على أرض قلبك حتى تنمو وتتضخّم كسرطان! وإن بدت كأنَّها زورق صغير يحملنا إلى ميناء السعادة، فالزورق بلا ربَّان وبعد قليل سيتوه وتُحطّمه الأمواج!
إنَّها لهيب نار لو اشتعل فيك لأَحرق كل طاقاتك، فإن كان الهلاك هو ثمارها فلماذا تُخطيء؟! لماذا تأخذ ناراً في حضنك وأنت تعلم أنَّها ستحرق ثيابك؟! هل تمشى على جمر النار دون أن تكتوي رجلاك؟! أليست النار تتولّد من المادة ثم تعود وتحرق المادة؟! وهكذا الخطية تتولّد من الإنسان ثم تعود فتحرقه.
دعنا نتساءل: ماذا فعلت الخطية بمحبّيها؟ هل إلى الحياة قادتهم؟ كلاَّ، بل إلى الموت سلَّمتهم! فالإنسان الخاطيء هو إنسان ميت، لأنّه انفصل عن مصدر الحياة الحقيقية، رب المجد يسوع الذي قال عن نفسه: " أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ " (يو25:11)، وهل يقدر إنسان انفصل عن الحياة يقول إنه حيّ؟!
إرجع إلى التاريخ القديم لتعرف أنَّ الخطية، كانت السبب فى كل المصائب التي حلّت على العالم، فهى التي أفسدت آدم وتسبّبت في طرده من الجنّة، وجعلت قايين يخرج هائماً على وجهه هارباً من مكان إلى آخر وقلبه مضطرباً، خوفاً أن يحصد ما زرعته يداه لقتله هابيل أخاه.
لولا الخطية ما أغرق الله العالم بماء الطوفان، ولا أنزل ناراً وكبريتاً من السماء لتحرق سدوم وعمورة، ولا سقط شمشون المنذر لله من بطن أُمه، ولا زنى داود رجل الصلاة والمزامير، هى التي جعلت هيروديا تطلب رأس المعمدان، وعندما أحبّها يهوذا أسلم سيده إلى الأثمة، لأنَّه لمَّا اشتهى المال أضاع الحياة، وماذا أعطاه حب المال؟ لم يُعطِه سوى ثلاثين من الفضة ثمن حبل المشنقة!
لقد صيرّتنا الخطية عبيداً بعد أن كنا أحراراً، قيَّدتنا بعد أن كنَّا معتوقين، أفنت شجاعتنا فصرنا نخشى الحيوانات التي كنَّا أسياداً عليها، ملأتنا من كل شهوة ردية، فصرنا مُحبين للخلاعة نلهث وراء اللذة الممنوعة!
إنَّ الخطية سماءً مظلمة بلا نجوم، أرضاً جافة لا تنبت سوى الأشواك، بحراً تبخرت مياهه فصار نبعاً بلا حياة! فلا تخدعك الخطية بحسن جمالها أو عبير رائحتها، فهى كالوردة الجميلة فى البستان، لا يمل أحد من التطلّع إلى جمال منظرها أو تنسم عبيرها، الذي هو ريح مليئة بالسموم، تهب على الأزهار النضرة فتيبّسها! إنّها شجرة مثمرة شراً تحمل ورقاً كثيراً، ولكن فى أوراقها يسكن أولاد الأفاعي والشياطين.
إسأل نفسك بعد كل خطية تسقط فيها: ماذا ربحت وماذا خسرت من خطيتي هذه؟ قد تربح لذة وقتية لكنَّك ستخسر الله اللذة الحقيقية، الذي لذته تفوق كل لذة مهما كانت طيبة! فلا تثق بسعادة تجنيها من الخطية لأنّك بقدر ما تشعر بسعادة تجد أنَّك مشدوداً ومقيداً برباطات كثيرة، وما أصعب فك قيود ورباطات الخطية!
ألم ترَ في حياتك مدمناً؟ ألم تسمع عن لص؟ ألم ترَ كم يُعاني الخطاة من استبداد شهواتهم؟ وكل الذين سعوا إلى الخطية بحثاً عن لذة توهموها، ما أن حققوا شهواتهم حتى شعروا أنَّهم لا يملكون سوى حفنة من الهواء الملوث، تطايرت مع أول ريح صادفتهم!
إنَّ الخطية أشبه بقطعة نسيج خيوطها منسوجة من الملل، والألم، والفراغ..
مرسلة بواسطة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في ١:٥٦ م
0 التعليقات
الجمعة، ٢٦ فبراير، ٢٠١٠
أمير يترك قصره ويرعى خنازير
في حديقة مترامية الأطراف، تتلاقى في جوانبها الأشجار وتتعانق الأغصان، وتُعطر فضاءها رائحة الزهور، كان يوجد قصر بديع فسيح، طلى الحب جدرانه، وغطى الحنان بلاطه، وكست تيجان الورود أعمدته في هذا المكان المعبق بأرواح الملائكة الحائمة في الفضاء، عاش الابن الضال ينظر الرياحين وهى تتمايل مرنمة أناشيد سليمان والعصافير مغردة مزامير داود..
ولكن عطر الربيع لا يدوم فقد أتى الخريف بزوابعه، فالفتى الغض الذى لم يذق بعد خمر الحياة ولا خلها يحرك جناحيه ليطير، سابحاً في فضاء واسع ملبد بالغيوم، وفى يوم قضى النهار أنفاسه بين تلك الحدائق، وغابت الشمس تاركة على الأشجار قبلة صفراء، جلس الابن وحده يتخيل مناظر هى في الحقيقة أشباح، فشعر بعاطفة غريبة بثتها أرواح الشر في قلبه، الذى اختلت نبضاته، ثم أخذت تنمو إلى أن لفت بذيلها السام الطويل عنقه كانت هذه الفكـرة الخبيثة الجهنمية أول فصـل فى رواية الابـن الضـال مع الخطيئة!
لقد ترك الابن قصر أبيه ليحيا كعصفور ميت فى زاوية قفص حبكت ضلوعه يد شيطان ماهر، وينطلق الابن مسرعاً فى طريق الموت، كما لو كانت أجنحة شيطانية قد حملته إلى بقعة انبثقت من الجحيم، فعاش بين قوم عراة من الفضيلة، فى مكان لا تظهر فيه الشمس ولا يطلع فيه القمر، بل يتشح بظلام وظلام، فبانت تلك الخرائب كأنها جبار يهزأ .
فى تلك اللحظات شعر وكأن يد حريرية تبسط ثوبها على رأسه العارية لتغطى عاره، فنظر إلى السماء نظرة نائم أيقظه شعاع الشمس، فرأى طيف أبيه وتذكر عندما كان يسير معه والعفاف ثالثهما، والحب صديقهما، والقمر رقيبهما، ويعود الابن ويعانقه أبوه ويقبّل عينيه راشفة الدمع، وقال بصوت ألطف من نغمه الناي: إبني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد
وهكذا استيقظت الروح النائمة لأن فجر التوبة قد لاح ولم يعد أحد يسكب قطرة من مرارة الحزن، أو يذرف دمعة من دموع اليأس، لأن نسيم الصباح قد مر لتعود الحياة للزهور الحزينة النائمة!
لقد ذهب إلى كورة بعيدة ليشرب كأس الموت، فلمت الشمس وشاحها الذهبي، وجلست أسرته تذرف الدمع على طين داسته الأقدام لكنه عاد فعادت الشمس هى الأخرى تُشرق بأشعتها المذهبة لتعيد إليهم الحياة، ومشى الحبيبان – الابن وأبوه – يتعانقان بين الورود والأشجار، وقد علق كل منهما على عنقه قلادة من ذهب قد كُتب عليها:
لقد جمعنا الحب فمن يفرقنا!