اكتشاف أجساد قديسين في ملوي بالمنيا
نقلت إلينا بعض
الصحف ووسائل الإعلام خبرا عن اكتشافات حديثة لثلاثة أجساد من الشهداء
القديسين ترجع إلي العصر الروماني، وقد تم العثور عليها أثناء إحدي الحفائر
التي تمت تحت إشراف بعثة الآثار المصرية والتي تقوم بالحفر في منطقة دير
أبي حنس بملوي، وقد تم تسليم الأجساد الثلاثة إلي نيافة الحبر الجليل
الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي، والذي أودعها في مقصورة خاصة بالدير في احتفال
رسمي وشعبي كبير حضره الألوف من الشعب مسلمون وأقباط. ولدير أبي حنس
مكانة مهمة وكبيرة في التراث المصري عموما والتراث القبطي خصوصا . وأسم
أبي حنس هو النطق الشعبي للكلمة القبطية "يوأنس" والتي تنطق "يوحناس"
باللهجة القبطية الصعيدية . ومعناها هو "يوحنا" باللغة العربية، ويوحنا
نفسها كلمة عبرية معناها "الله يتحنن ".
وهو علي اسم القديس
"يوحنا القصير" الذي تسمي الدير علي اسمه أما عن القديس يوحنا القصير نفسه
فهو ولد في بلدة أطسا بمحافظة المنيا حوالي عام 339م، ولما بلغ من العمر
18 سنة أشتاقت نفسه إلي حياة الرهبنة، فتوجه إلي وادي النطرون وترهب هناك
علي يد القديس الانبا بموا، وهناك واظب علي الصلاة والصوم والعبادة فنما
في الفضيلة كثيرا، ومن الفضائل المأثورة عن القديس يوحنا القصير هي طاعته
الكاملة لأبيه الروحي القديس الانبا بموا، والقصة المشهورة هنا هي قصة
"شجرة الطاعة " فلقد حدث أن أعطاه القديس الانبا بموا عصا يابسة وطلب منه
أن يسقيها ماءً مرتين يوميا ، فأطاع القديس يوحنا القصير الأمر فكان يذهب
ويسقيها كل يوم رغم بعد المسافة، وبعد ثلاث سنوات نمت العصا حتي صارت شجرة
كبيرة مثمرة، فأخذ معلمه الانبا بموا من ثمار الشجرة وأعطاها لأبنائه
الرهبان وهو يقول لهم "خذوا كلوا من ثمار شجرة الطاعة " . وحدث بعدها أن
مرض القديس الأنبا بموا مرضا شديدا جدا، فاستمر الانبا يوحنا القصير في
خدمته لمدة اثنتي عشرة سنة كاملة، ولما قرب من الموت طلب من تلميذه القديس
يوحنا أن يغادر الدير بعد وفاته ويقيم ديرا خاصا به بالقرب من شجرة
الطاعة، ثم جمع الرهبان كلهم وأمسك يده أمام الجموع وقال لهم "اعلموا أن
هذا الرجل ملاكا وليس إنسانا " ثم توفي بعدها بسلام . وبعد وفاة معلمه
انتقل القديس بقرب الشجرة وهناك أسس ديرا كبيرا نال شهرة كبري في تاريخ
الرهبنة بوادي النطرون، وظلت الشجرة موجودة حتي عهد قريب "يقال إنه تم
قطعها حوالي عام 1921 تقريبا " . وحدث بعد فترة أن هجم البربر علي أديرة
وادي النطرون فترك القديس يوحنا البرية وتوجه إلي جبل أنصنا وهناك تقابل
مع القديس العظيم الانبا بيشوي، وهناك أسس ديره الشهير المشهور بـ"دير أبو
حنس " وبني كنيسة هناك، وبعد وفاة الأنبا بيشوي عاد إلي جبل القلزم
بالبحر الأحمر وبني هناك قلاية علي غرار قلايته بوادي النطرون ، وعاش
هناك حتي توفي في يوم 20 بابة الموافق 30 أكتوبر وله من العمر حوالي 70
سنة . وبذلك يكون تاريخ وفاته حوالي عام 409 م تقريبا . بعد وفاته بأكثر
من 350 سنة تم نقل جسده الطاهر من جبل القلزم إلي ديره بوادي النطرون .
"ولقد وردت قصة نقل جسده في كتاب"السنكسار" "السنكسار كلمة يونانية معناها
الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والقديسين "تحت يوم 29 مسري .
أما عن أنصنا وهو اسم
المدينة التي يوجد بها "دير أبو حنس " فيذكر عنها العالم الشهير أميلينو "
فمعناها الحرفي "نزهة مصر " وهي تقع بين طحا الأعمدة والأشمونين، ويقول
عنها بلاديوس (أوائل القرن الخامس الميلادي ) إنها كانت عاصمة الصعيد
وبقاياها الأثرية حاليا في بلدة الشيخ عبادة التابعة لمدينة ملوي .لمزيد
من التفصيل راجع «معجم البلدان والأماكن المصرية في العصر المسيحي المعروف
بجغرافية مصر في العصر القبطي، ترجمة أ. حلمي عزيز مراجعة وتعليق أ.د .
محمد عبد الستار عثمان، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الطبعة الأولي
2005، الصفحات من 73: 76 " .كما ورد ذكرها في كتاب "القاموس الجغرافي
للبلاد المصرية "لمحمد رمزي فقال عنها " بما أن قرية دير أبو حنس هذه،
واقعة علي شاطيء النيل الشرقي، بين مدينة أنصنا القديمة التي تعرف اليوم
بالشيخ عبادة من الجهة البحرية، وبين قرية أبرهت التي تعرف اليوم بدير
البرشا من الجهة القبلية، فقد دلت الأبحاث علي أن قرية دير أبو حنس هي
بذاتها التي وردت في كتب القبط باسم قصر أبرهت " ( راجع الكتاب المذكور :
تحقيق محمد رمزي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2010 : الجزء الخامس، ص 66
"
أما عن ملوي فيذكر عنها "العالم أميلينو "أنها كلمة قبطية ومعناها "موضع الاشياء "( نفس المرجع السابق ص 269 )
ولقد عرف «دير أبو
حنس» أيضا في المخطوطات القديمة بدير "النعناع " والسبب في ذلك هو نمو
نبات الرعرع العطري في حدائقه فيعطر أرجاءه، ويقول عنه العلامة المقريزي
تحت اسم «دير أبي النعناع» "هذا الدير خارج أنصنا . وهو من جملة عماراتها
القديمة، وكنيسته في قصره لا في أرضه، وهو علي أسم "أبي يحنس " وعيده في
العشرين من بابة " ( تاريخ الأقباط :- تحقيق عبد المجيد دياب، دار الفضيلة
ص155 ) . أما الرحالة فانسليب (1635 - 1679 ) فيقول عنه " في مدينة أنصنا
نحو الشرق ديران، الأول يوحنا الصغير، ويدعونه هم "ابو حنس القصير "،
والثاني للطوباوي أبا بيشوي " ( تقرير الحالة الحاضرة : ترجمة وديع عوض،
المجلس الاعلي للثقافة، المشروع القومي للترجمة، الكتاب رقم 1005 ص 155 )
.
وقال عنه ايضا "
وبجوار «دير ابو حنس» أو دير يحنس القصير زرت كثيرا من الكهوف كبيرة
الاتساع من الداخل لم أجد فيها ما يسترعي الانتباه سوي بعض الصلبان
المنحوتة في الصخر وأحد هذه الكهوف به ملاكان يحملان صليب وحجاب الكنيسة
مرسوم عليه مواضيع من العهد الجديد ورسومات لبعض القديسين مكتوب تحت
أسمائهم باللغة القبطية ويوجد أيضا بعض الكتابات اليونانية " ( تاريخ أبو
المكارم :- إعداد الأنبا صموئيل، الجزء الرابع، ص 121 )
وفي التقليد القبطي
القديم أن «دير ابو حنس» كان أحد المحطات المهمة التي مرت بها العائلة حيث
استراحوا هناك لمدة يوم واحد بعد أن استقبلهم أهلها بحفاوة شديدة، فقال
الطفل يسوع لأمه السيدة العذراء عن هذه المنطقة أنه سوف يبني بها كنائس
كثيرة، كما تذكر بعض المراجع التاريخية أن الملكة هيلانة هي التي اهتمت
ببناء الكنيسة وزينت جدرانها بالعديد من أيقونات القديسين .(رحلة العائلة
المقدسة في ملوي، إعداد نيافة الأنبا ديمترسوس أسقف ملوي وأنصنا و
الأشمونين، مطرانية ملوي، الطبعة الأولي 1999، ص31 ) .
أما عن مدينة أنصنا،
فيذكر عنها يوحنا النقيوسي في كتابه الشهير "تاريخ العالم القديم " فيقول
عنها " وبعد موت تراجان حكم في روما ابن عم تراجان ويدعي هدريان، وقد أسس
هدريان في مصر العليا مدينة رائعة أسماها أنصنا Antinoe
" وتروي كتب التاريخ أن الأمبراطور هدريان قد زار مصر حوالي عام 122م
وكان بصحبته صديقه الشاب انطينوس الذي غرق في النيل أثناء سياحة
الأمبراطور في الوجه القبلي، فحزن عليه الأمبراطور جدا وبني له مدينة في
نفس المكان الذي غرق فيه وأسماها علي اسمه تخليدا لذكراه . ولقد حكمها
والٍ يدعي "أريانوس " في عهد الامبراطور دقلديانوس، وقد قام أريانوس
بعمل مذابح جماعية مروعة في أنصنا وأخميم وأسنا، "ولكن بعد كل هذه المذابح
الجماعية التي فعلها آمن هو نفسه أخيرا بالمسيحية واستشهد علي اسم
المسيح، وخبر استشهاده جاء في السنكسار تحت يوم 8 برمهات" . كما ذكرت بعض
كتب التاريخ مذبحة أخري استشهد فيها خمسة آلاف راهب مع أسقفهم الانبا
يوليانوس بصحراء أنصنا في فترة الاضطهاد الذي أثاره دقلديانوس وأعوانه (
الاستشهاد في المسيحية : نيافة الانبا يوأنس أسقف الغربية الراحل، ص 171،
172 ) . ولعل هذه الأجساد المكتشفة حديثا جزء من أجساد هؤلاء الشهداء
القديسين، ويعتقد أنه مازال مطمورا في الرمال أجساد أخري لم يتم اكتشافها
بعد، و قد يتم اكتشافها مستقبلا . سمعت عن سائحة أجنبية أنها عندما زارت
منطقة أنصنا، خلعت حذاءها وقالت إن هذه الأرض أرض مقدسة لأنها تقدست بدم
الشهداء، فلا يليق أن أدخلها بالحذاء . حقا ما أجمل قول الشاعر أبو العلاء
المعري :-
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء
رويدا لا اختيالا علي رفات العباد وما أجمل ما ورد في الكتاب المقدس عن
مصر وشعبها "مبارك شعبي مصر" ( اش 19 :25 ) .
بقلم : ماجد كامل
المصدر
جريدة القاهرة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]