عادل جبران مشرف عام
التسجيل : 08/08/2009 مجموع المساهمات : 1589 شفـيعي : العدرا الـعـمـل : مدير عام بالتربية والتعليم هـوايـتـي : مزاجي :
بطاقة الشخصية لقبك: مستر المنتدي
| موضوع: البتوليـــــــة الخميس 8 يوليو - 15:41 | |
|
[size=21]البتولية
القمص أثناسيوس فهمي جورج
تحدَّث الآباء عن ”البتولية“ كنذر إنجيلي عاشوه واختبروه، لذلك أتت كتاباتِهِم لتفصح عن جمال عظمتها ومجدها، مع الاهتمام بالكشف عن طبيعتها كحياة كنسية إنجيلية أصيلة.
والحقيقة أنَّ عِلْم الباترولوچي يكشِف لنا إنجيلية الحياة البتولية من حيث فِكرتها واتجاهاتها وغايتها وطريقة عيشها، على اعتبار أنها فائقة للطبيعة: سِرْ الحياة السمائية والتشبُّه بالسمائيين.
وأفاضت كِتابات الآباء في وصف ومدح البتولية وفي شرح مفهومها كحياة ملائكية مُفرحة لها مُقوماتها وطريقها ليس كغاية في ذاتها إنما طريقة دخول في المَعِيَّة الإلهية.
ولما علمت بأنني لا أكون عفيفاً مالم يهبني الله العفة، توجهت إلى الرب وسألته من كل قلبيإلاَّ أنَّ مُعظم ما كُتِبْ عن البتولية إنما يقترِن بالحياة النُّسْكية التي تُؤكِد الوثائِق الأولى على تعريفها بأنها شَرِكَة آلام المسيح، وبأنها أيقونة حيَّة للحُب الحق ودخول إلى الحياة الفِردوسية، وبأنها إمتداد لحركة الاشتياق للاستشهاد مع المسيح ومن أجله.
وفي واقع عِلْم الباترولوچي نفهم حياة النُّسْك بصفة عامة ونذر البتولية بصفة خاصَّة كحياة إنجيلية فِصْحية مجيئية وسَرَائِرِية، تلتقي فيها النَّفْس مع عريسها الإلهي وتدخُل لتجد نفسها في حِجال المسيح الملك فتعيش حياة الفرح المخفي.
لقد قدَّمت لنا كِتابات الآباء شهادة حيَّة تحوي الكثير عن البتولية كحياة، إمَّا في كِتابات مُباشرة، أو بالحديث العَرَضِي في عِظة أو مقال روحي أو تفسير كِتابي... وجاءت أيضاً بعض الكِتابات ضِمن أقوال وسِيَرْ الآباء النُّسَاك.
وهناك آباء اهتموا بالكِتابة عن البتولية إهتماماً خاصاً فأفردوا لها كُتُباً ذات فِكْر كَنَسي شامِل مُعطين إيَّاها نوعاً من الاستقلال، فجاءت دَسِمَة مُتنوعة مُشبَّعة بالجانب النُّسْكي والعقيدي والدِفاعي بأبعاده السِرِية والرمزية والروحية.
إنَّ هذه الدراسة التي نُقدِّمها ضِمن سلسلة أخثوس ΙΧΘΥΣ تُلبي حاجة في صفوف المُهتمين بأقوال الآباء وبالحياة التكريسية... إذ أنَّ الرجوع إلى هذه الينابيع الروحية يُوسَّع أُفقنا الروحي ويُعمِّق فِهمِنا، فالحقيقة أننا بأمَسْ الحاجة إلى السلوك بحسب فِكْر ومنهج الآباء، الأمر الذي يقوده ويشجعه في جيلنا المُعاصِر خليفة الآباء البابا المُكرَّم الأنبا شنوده الثَّالِث أطال الله حياته.
ذلك أنَّ الكِتاب الذي بين أيدينا يحمِل مسيرة حلوة سعى إليها آباء الكنيسة سعياً حثيثاً لا يتعب ولا يفتُر بل في مجّانية الإشتياق و”الشوق إلى الله“ في معناه المُضاعف المُعاش والمُختبر، كلِّمونا بخبرة حقيقية لا تتوقف عن المسير أبداً، مُريدين أن يعلِّمونا الطريقة التي نسلُك فيها.
ويتضمن هذا الكِتاب أقوالاً وكلِمات ذات جمال أدبي في طليعة الأدب الصوفي العالمي – فهو كِتاب كلاسيكي في الأدب النُّسْكي الأرثُوذُكسي – إلاَّ أننا نُقدِّمها في نور الروح القدس لتبلُغ بنا إلى الله، نُقدِّمها لتكون أعمق من الكلام المكتوب، طعاماً روحياً يُغذينا ويُحيينا، نُقدِّمها نموذجاً وقياساً للسَّالكين في دروب التكريس لتقديم مُثُلْ السيرة البتولية، نُقدِّمها إلى الأحياء الذين تكرَّسوا للعريس الخَتَنْ الحقيقي من رُهبان وعذارى ومُكرسين.
ولا يسعني إلاَّ أن أسجُد للثَّالوث القدوس المُبارك من أجل هذا العمل المُبارك الذي تبلورت فِكرته في زيارتي الخَلَوِية لدير مارجرجس الحرف الفِردوس الأرض بلُبنان، وهناك تأثرت كثيراً بما شاهدت ورأيت ولمست، فلا عجب أن يكون ذلك كذلك وهم الذين قدَّموا لنا كِنوز ودُرَرْ الآباء: أُصول الحياة الروحية – السُّلَمْ إلى الله – أقوال الآباء الشيوخ، وغيرها من الكِتابات الأبائية الدَسِمة، التي صارت ”جسراً ناقِلاً“ وشاهداً قوياً في هذا العصر للأُرثوذُكسية الشاملة الجامعية.
شُكراً لهم على ما قدَّموه وما يُقدموه من عمل ذِهني وعلى تأسيسهم لـ”منشورات التُراث الآبائي“ من أجل التمتُّع باللاهوت الكَنَسِي الأُرثُوذُكسي.
إنني أهدي هذا العمل المُتواضع إلى روح الوحدة المسكونية، إلى الأب الجزيل الإحترام الأرشمندريت ألياس مرقس رئيس دير مارجرجس الحرف بجبل لُبنان، وإلى الأرشمندريت أفرآم كرياكوس بدير مارِميخايِل – بسكنتا – لُبنان – راجياً لهما عُمراً مديداً.
إنه الوقت المُناسِب الآن لوحدة الكنيسة الأُرثوذُكسية، لتستعيد مكانتها ودورها اللاهوتي والخلاصي والاجتماعي، من أجل حِفْظ التقوى وحِفْظ حضور كنائِس الشرق على المُستوى العالمي الكَنَسِي، ذلك الحِلم الذي يُحققه الآن قداسة البابا المُعظّم الأنبا شنوده الثَّالِث لا كحقيقة نظرية بل كواقِع مُعاش، جاعلاً من روح وفِكْر ونُسْك وحياة الآباء نمط عمل... فليحفظه الرب في كلّ حين في كنيسته المُقدسة إلى مُنتهى الأعوام وإلى يوم المجئ.
البتولية عند الآباء الرسوليين
ظهرت الكِتابات عن البتولية مُبكراً منذ العصر الرسولي ومن بعده في زمن الآباء الرسوليين، فجاءت كِتاباتِهِم وأقوالهم مُعبِّرة عن اهتماماتِهِم بحياة البتولية، خلال رسائِل القديس كلِمنضُس الروماني (أسقف روما في القرن الأوَّل)، وخلال الدِيداكية (تعليم الرب للرُّسُل الاثنى عشر) ( 100 – 150م) وخلال كِتابات الراعي هرماس وكِتابات القديس أغناطيوس الأنطاكي.
فأفاضوا في مدح البتولية وتمجيدها، وأظهروا تقدير الكنيسة في العصر الرسولي وما بعده للبتولية وللمُتبتلين كطغمة من طغماتها، إذ أنها كرَّمتهم وجعلت أماكن جلوسهم في الصفوف الأولى بالكنيسة في مُقدمة جماعة المُؤمنين.
وتُعتبر الرسالتان المنسوبتان للقديس كلِمنضُس الروماني تلميذ الطوباوي بطرُس الرسول، أقدم وثيقتين لتاريخ البتولية وقوانين الحياة النُّسْكية، إذ تُمثِلان مدحاً لحياة البتولية كعمل إلهي فائِق للطبيعة وكحياة ملائكية، ويتحدَّث فيهُما الكاتِب عن طبيعة البتولية ومفهومها كحياة روحية وجسدية وليست مُجرّد ألقاب.
تتحدَّث الرسالة الأولى مُخاطِبة كلّ الذين يُحِبون المسيح وينشغِلون به، المُتبتلين الطوباويين الذين كرَّسوا أنفسهم لحِفْظ البتولية من أجل ملكوت السموات مُتأهلين في كلّ شيء بالبِر والإيمان ليكون لهم نِعمة وفِطنة صالحة قُدَّام الله والناس.
وتحرِص الرسالة على اعتبار أنَّ سُبُل البتوليين ينبغي أن تكون كنور مُشرِق يتزايد نوره ليصل إلى النهار الكامِل، وعلى أنَّ أشعة نورهم ينبغي أن تُضئ الخليقة كلّها من الأعمال الصالِحة، مُلتزمين بالكمال في الكلِمات والأفعال مُتزينين في حياتهم بسلوك نموذجي وترتيب.
كما ركِّزت الرسالة على ضرورة أن يكون المُتبتلون مثالاً للمُؤمنين وأن يسلُكوا في أعمال كاملة لائِقة، إذ لا يقدِر الإنسان أن يخلُص لمُجرّد أنه بتول، فقد دعى ربنا مثل هذه البتولية ”جهلاً“ كما جاء في الإنجيل، ويعتبر كاتِب الرسالة أنَّ مَنْ يُنكِر قُوَّة البتولية والقداسة إنما يُقدِّم عبادة باطلة، وتُعتبر بتوليته من نوع دَنِسْ.
وتشرح الرسالة مفهوم البتولية بطريقة عملية باعتبارها إنسحاب وانفطام عن الشهوات وكذلك كاختبار للحياة الإلهية السمائية على مثال الملائكة القديسين، عملها سامي عظيم، لها أتعابها ومشقاتها الحقَّة التي لا تتوقف وعملها المُقدس الكريم ومُصارعتها القانونية للنُّصرة على التنين والأسد والحيَّة والشيطان، ومن ثمَّ يصير مجد البتولية وسمو رِفعتها ودعوتها العُليا.
كما تُقدِّم الرسالة نماذِج لشخصيات عاشت عظمة البتولية التي تعتبرها إمتثال بالمسيح في كلّ شيء، وبالعذراء البتول التي أخذ من جسدها البتول جسده، وتُقدِّم أيضاً نذير ربنا يوحنَّا المعمدان كنموذج للسيرة البتولية، وكذلك سميُّه يوحنَّا الحبيب الذي إتكأ على صدر ربنا، كما تُقدِّم القديس بولس وبرنابا وتيموثاوس نماذِج لقداسة البتولية، علاوة على إيليا وأليشع وكثيرين من الذين يجب أن نتشبه بهم.
وحرصت الرسالة على إبراز حتمية بتولية الروح إلى جِوار بتولية الجسد، إذ ليس من البتوليين مَنْ لم يكُن مثل المسيح في كلّ شيء، والذين هم مُتبتِلون يفرحون لأنهم يصيرون مثل الله (الآب) ومسيحه، فلا يكون فيهم فِكْر الجسد الذي هو عداوة لله، لأنَّ البتوليين خاصَّة ليس فيهم شيء من فِكْر الجسد بل تكون فيهم ثِمار الحياة ويكونون مدينة وبيوتاً وهياكِل لسُكنى الله، ويظهرون للعالم كأنوار مُستحِقة للمدح والإفتخار ولأكاليل الفرحة والبهجة.
وتُحذِّر الرسالة من المخاطر والعثرات والشِباك والفِخاخ المُحيطة بطريق البتولية وتُقدِّم الفضائِل المُلازمة لها مع بعض النصائِح التي تجعل من المُتبتلين فَعَلَة بلا لوم أُمناء عمَّالين، إذ أنَّ التبتُّل الحقيقي يفرِض مسئوليات جَدِيّة فهو ليس مُجرَّد حالة جسدية إنما هي زيجة روحانية...
وعندما نأتي إلى الرسالة الثَّانية نجد تحذيرات تتعلَّق بخُلطة النُّسَاك والناسِكات، وبسلوك المُجاهدين في دروب البتولية وتنظيم مواضِع سُكناهم لتأمين دعوتهم بعيداً عن العثرة، على مِثال يوسف الصِّدِّيق... وتروي الرسالة سِيَر آباء من العهدين (سقوط شمشون الجبَّار – سقوط داود – أمنون وثامار – سُليمان ابن داود – سوسنَّة والشيخان...).
كذلك جاء أيضاً في مُؤلف من الأدب المسيحي منسوب إلى كلِمنضُس الروماني يُسمَّى ب ” عهد الرب“ وهو ضِمن مجموعة الثمانية كُتُب المدعوة ”الثَّماني Octateuque“ وُجِدت أولاً تحت عنوان ”القوانين الرَّسولية Les Constitutions Apostoliques“ ما يُفيد أنَّ البتول لا يُقام أو يُرسم، بل هو نفسه يختار راضياً فيُعرف بهذا الاسم، لا تُوضع اليد للبتولية، لأنَّ هذه الحالة هي إرادة شخصية إلى جِوار أنها هِبة وعطيَّة ونِعمة.
ثم نأتي بعد ذلك إلى القديس أغناطيوس الأنطاكي الذي تحدَّث عن البتولية كسِرْ، فقال: ”بتولية مريم وابنها وكذا موت الرب، أمسكوا برئيس هذا العالم. هذه الأسرار الثَّلاثة (أي سِرْ بتولية العذراء، وابنها، وسِرْ موت الرب) تمَّت في السكون الإلهي...“.
وفيما هو يعتبِر البتولية سِرْ إلهي، يرى ضرورة تلازُمها بالإتضاع، فعلى البتول أن يحفظ بتوليته إكراماً لجسد الرب، لكنه لو تكبَّر أضاع نفسه.
وهنا يحِث القديس أغناطيوس الذين يعيشون في البتولية على ضرورة الشعور بعدم الاستحقاق، لأنَّ البتولية المُعطاة لهم هي نِعمة سَرَائِرية ليس لهم فضل فيها، وبفهم صحيح يكون عندهم قُدرة ليُقدِّموا ذواتهم بالكُلية للمسيح، وإكراماً لجسده يُقدِّمون أجسادهم وأرواحهم له وكلّ ما لديهم من طاقة وقُدرة وجهد ووقت وتفرُّغ ذهني وقلبي وروحي وليس فقط مُجرَّد التفرُّغ الوقتي، ليكون إكراماً لجسد الرب، ويقول القديس: ”إذا كان بإمكان أحد أن يبقى مُتبتِلاً مُتشرِفاً بجسد السيِّد فليبقَ كذلك مُتضِعاً“.
ويجمع القديس أغناطيوس الأنطاكي في رسائِله بين ما جاء في إنجيل يوحنَّا وما قاله القديس بولس عن الثبات في المسيح والإتحاد بالمسيح والإقتداء بالمسيح، فكتب إلى أهل رومية (8: 5 – 6) يُذكِّرهم أنَّ ” مَنْ يهتم بالجسد لا يُمكنه أن يعمل الأعمال الروحية ومَنْ يهتم بالروح لا يُمكنه أن يفعل أفعال الجسد“ ويُوصي بالثبات والإتحاد والإقتداء بالمسيح، ونَحَتْ القديس أغناطيوس لهذه الغاية إصطلاحات ”حاملي الإله“ ”حاملي المسيح “ ”حاملي الهيكل“.
هذا وفي رسائِل المُتوشِح بالله أغناطيوس الأنطاكي يُقدِّم دائماً تحية ومُصافحة أبوية كأسقف لبيوت العذارى والمُتبتِلات والمدعوات أرامِل، مع نصائِح رَعَوِية لهُنْ ليكُنَّ أقوياء بفضيلة الروح ويتشددن بالإيمان والمحبة جسدياً وروحياً.
أمَّا الشهيد بوليكاربوس ( أسقف سميرنا فيُوجِه نداءهُ إلى الأرامِل اللاتي تكرسن للرب في فيلبي لكي يكُنَّ ”عاقِلات في الإيمان بالرب“ ويُعرِّفهُنَّ أنَّهُن هيكل للرب، فهو الذي يفحص كلّ شيء بدقة ولا يُخفى عنه شيء من أفكارنا وعواطِفنا وأسرار قلبِنا.
ويقول هرماس الذي ذَكَره القديس بولس الرَّسول في رسالته إلى أهل رومية (16: 14) وهو صاحب كِتاب الرَّاعي: إنَّ البتولية ليست بين الأعمال التي يجب القيام بها، ولكنها بين الأعمال التي تتم طواعية كالاستشهاد، أي أنها ليست للجميع بل للذين أُعطِيَ لهم، فهي بين الأعمال التي يتم التبرُّع بها.
ويرى كاتِب الرَّاعي هرماس أنَّ البتول هو العفيف البعيد عن كلّ شهوة رديئة والمُمتلِئ بساطة وبراً، لذلك يصِف العذارى بالجمال، ويُوصيهن بالاستعداد والمهابة وكذا بالقُدرة على الإحتمال والرجولة الروحية.
وتُشير رؤيا هرماس إلى أنَّ العذارى يُساهِمن في بُناء الكنيسة وفي حراسِتها، ويُسرِعنَ لمُلاقاة رب الكنيسة والسير معه في خِدمته، لهُن أرواح مُقدسة، ويلبِسنَ الوِشاح مملوئات فضائِل.
الخلاصة عن موضوع البتولية
أعطى الآباء اهتماماً خاصاً للبتولية، وهذا يُفسِر جُزئياً بأنَّ الرَّهبنة كانت الحدث المُهِم في عصر الآباء الذهبي، لأنَّ الرَّهبنة كانت بنظرهم الحياة الإنجيلية المُثلَى... ومع ذلك كتب الآباء كِتابات عميقة عن الزواج لأنهم عاشوا ما يرمُز إليه الزواج، في العُرْس السِّرِّي، حيث العروس التي لا عريس لها ويُسمَّى عُرْسها عُرْساً بتولياً بالإتحاد بالله.
رأى الآباء أنَّ البتولية ليست جدباً أو عُقماً إنما هي حياة مِلؤها الخصب والنماء تحفظ تمامية الإنسان في سمو وقداسة، مُعتبرين أنها عطية روحية وحياة ملائِكية وتَبَعِية للحَمَلْ أينما ذهب، لذلك هي هِبة ليست للجميع بل للذينَ أُعطِيَ لهم.
ولما علمت بأنني لا أكون عفيفاً مالم يهبني الله العفة، توجهت إلى الرب وسألته من كل قلبيويرى آباء الكنيسة أنَّ البتولية إحدى صور الحياة المسيحية، فهي ليست صورة عامة ولكنها صورة خاصَّة، تنشأ بالروح القدس في حياة المدعوين لها، وركَّز الآباء على أنَّ البتولية تُعتبر علامة القِيامة من الموت وعلامة البُّنوة الكامِلة، حتّى أنَّ بعض الآباء اعتبر أنها السِّر الثَّامِن من أسرار الكنيسة.
وعند كلّ الآباء تُعتبر البتولية علامة القِيامة، والبتوليون هم الذين فعلاً قاموا من بين الأموات بينما هم لا زالوا في الجسد، والروح القدس الفاعِل في الأسرار يزرع فيهم هذه الطبيعة الفائِقة، طبيعة القِيامة، فالبتولية سِمة العالم الجديد وبِدايِة الملكوت وقانون الحياة الأبدية، طريقها سماوي ملائِكي، والسَّالِكين فيها بشر سمائيون وملائِكة أرضيون، شريطة ألاَّ تكون وضعاً خارِجياً بل حالة كمال حقيقي وتبنِّي لطبيعة العادِمي الأجساد، جحود فائِق للطبيعة ومُنافسة عجيبة للملائِكة.
أوصى الآباء الذين يحيون حياة البتولية أن لا ينتفِخوا بسبب بتوليتهم أمام السَّالكين في ممرات الزيجة التي هي أقل، إذ لا ينبغي على مَنْ يملُك ذهباً أن يحتقِر الفِضَّة، فلا معنى لبتولية الجسد بدون بتولية القلب وتكريس كلّ الطاقات للعِبادة والخدمة.
وعرَّف الآباء نذر البتولية بأنه حياة عدم الفساد ورِباط الإتحاد بين الأُلوهية والبشرية وزيجة روحية يقتني بها البتول أجنحة روحانية ويطير ليسكُن في نور البتول ابن البتول كواحِد مُختار من الناس المُختارين وكمعدود ضِمن الطغمات السمائية صاحِب النصيب الأمجد في قطيع المسيح.
ويرى الآباء أنَّ البتوليين هم زهور الكنيسة، جمال وزينة ونِعمة الروح، صورة الله التي تعكِس قداسته، الجزء الأكثر لمعاناً في قطيع المسيح المُثمِر المجيد، ويتمثَّل جمال الحياة البتولية في عُمقها في علاقة شخص الرب يسوع بعروسه البتول.
ويرى الآباء الأوَّلون أنَّ الطوباوية مريم العذراء هي نموذج ومِثال البتولية، وهي مُعلِّمة البتولية والطهارة، ونذر بتولية العذراء الذي وضعته في قلبها جعل البتول يحِل فيها لِيُقدِّس فيها حياة البتولية، ولِيُؤكِد بتولية القلب التي يُريدها للكنيسة خلال بتولية جسد مريم.
فالمسيح نفسه بتول وأمه بتول، نعم مع أنها أُمُّه لكنها لا تزال بتولاً، إذ دخل يسوع فيها خلال الأبواب المُغلقة... . ونحن أولاد الملِك البتول الذي تم فيه القول أنَّ البتول سلَّم البتول إلى البتول فاستراح المثيل إلى مثيله (يو 19: 26) نسأله أن يبعث في أعضاء جسده إمكانية حياة البتولية التي هي شريعة السماء ليصير هو السيِّد البتول راعياً للبتوليين، مُتحِداً بنا مُصيِراً كلّ ما فينا بتولاً... مُعطِياً إيَّانا الفِكْر البتولي والقلب البتولي والحواس البتولية.
[/size] | |
|