tota عضو مميز
التسجيل : 11/10/2008 مجموع المساهمات : 1838 شفـيعي : البابا كيرلس الـعـمـل : studint هـوايـتـي : مزاجي :
| موضوع: قصة يرويها القمص لوقا سيداروس الأحد 23 نوفمبر - 10:37 | |
| في بكور حياتي الكهنوتية سنة 1967 كان يسكن بجوار كنيستنا في اسبورتنج رجل فاضل تقي من أسرة متدينة محبة للمسيح. وكان له أخ راهب شيخ متقدم في السن من رهبان دير البراموس العامر. وكان لهذا الأب عادة في شيخوخته أن يزور أخيه الساكن بجوار الكنيسة مرة في كل سنة يقضي معه بعض الأسابيع . وكان هذا الأب قد أحنت السنين ظهره، وصار جسده ضعيًفا وحركته بطيئة، ولكن كان وجهه يسطع بنورالنعمة، كأنه وجه ملاك. وكان كل يوم أحد يحضره أخوه إلى الكنيسة باكرا جدًا، وإذ كان لا يقوى على الوقوف، كان يجلس أمام باب الهيكل ووجهه نحو المذبح لا يتحرك لمدة ساعات عيناه شاخصتان إلى السماء، شفتاه تتحركان بكلمات الصلاة والألحان، بصوت خافت لا يسمعه أحد . فكان منظره الملائكي يشيع السلام في قلوب الكثيرين، وكان كثيرون يلتمسون بركته. كانت سيرة هذا الأب بين الشيوخ في دير البراموس، مشهودًا لها من الجميع . إذ كان منذ شبابه طاهرا بسيطاً محباً متحليًا بالوداعة كأنه طفل وقد زادته سنين العبادة نعمة فوق نعمة. كنت كلما اتيحت ليّ فرصة أذهب لزيارة هذا الأب الطيب في بيت شقيقه، وقد استرعى انتباهي سلوكه الرهباني المدقق وحرصه على خلاص نفسه . ففي كل مرة كنت أدخل إليهم ويعلم بوجودي، يخرج من حجرته ويقابلني ببشاشة عجيبة ويرحب بيّ بمحبة قلبية حقيقية، ويجلس بجواري يسألني عن أحوالي وأطلب منه أن يصلي من أجلي، و لا تمر دقائق حتى يمد يده إلى مجموعة الكتب التي بجواره ويقدم ليّ كتابًا و يقول أرجوك عزينا بكلام الكتب كانت الكتيبات الصغيرة، هي مجموعة من سير القديسين وأقوال الآباء و بستان الرهبان، مع ا لكتاب المقدس الذي كان لا يفارق حياته وكانت هذه الكتب منسوخة بخط اليد ومغلفة بأغلفة جلدية، وكان هذا ا لأب هو الذي نسخها بيده كانت أحب القصص إليه قصة القديسة مارينا التي تزينت بزي الرجال وترهبت، ولم يكن أحد يعلم من أمرها شيئًا وكانوا يعزون رقة صوتها إلى النسك الشديد . ثم اتهمت ظلمًا بأنها اعتدت على عفاف ابنة صاحب فندق، فطرد وها من الدير ثم أتى صاحب الفندق بالطفل المولود من ابنته إلى القديسة مارينا اعتقادا منه أنها والد الطفل، فحملته القديسة واعتنت به عناية فائقة وهي عائشة بلا مأوى تنتقل به بين رعاة الغنم تطعمه إلى أن شبّ، و هي تسقيه لبن الإيمان والحياة مع الله والصلاة الدائمة. واذ تشفع الرهبان عنها إلى رئيس الدير، عاد فقبلها ووضع عليها قوانين صعبة فوق ا لطاقة، فاحتملت كل هذا بصبر جميل، ولم تدافع عن نفسها رغم الظلم الفادح، حتى تنيحت بسلام فاكتشفوا أنها فتاة وأنها بريئة من كل ما ُنسب إليها و قد شرفها الله بعمل آيات وعجائب من جسدها بعد نياحتها. فكنت أ قرأ هذه السيرة الروحانية المؤثرة ... وكان هذا الأب ينصت بسكوت وعمق، ودموعه تجري على خديه وتنساب بغزارة.. من بداية القراءة حتى نهايتها . كان يتملكني العجب، فالرجل يعرف هذه السيرة بل أقول إنه يكاد يحفظها عن ظهر قلب، بل هو ناسخها بخط يده، فليست هذه أول مرة يسمعها فيتأثر، وليس فيها شيء غريب على مسمعه. فمن أين يأتيه هذا التأثر والدموع؟ كيف أن التكرار الكثير لم يتحوّل إلى روتين !! وتأكدت أن الأبرار يكون قلبهم ملتهبا فيهم بالحب الإلهي، والشوق إلى السمائيات فيهم يزيد ولا ينقص، ونار الروح فيهم تضطرم و لاتخمد وكنت إ ذ انتهى من القراءة والرجل في حالة التأئر العميق ... وقد نضح وقاره وتأثره على المحيطين به ... لم يكن بعد مجال لكلام مهما كان نوعه . فكنت أجلس صامًتا لمدة دقائق ثم انصرف طالبا صلواته عني. وقد تعلمت من هذا السلوك الرهباني الأصيل الشيء الكثير . تعلمت كيف يكون الحرص حتى لا يفقد الإنسان حيويته وحساسيته في الروح، فلا يسمح للبرودة التي في الخارج أن تتسرب إلى داخل قلبه . وقد تعلمت كيف كان الآباء حريصون على خلاصهم، فعلاقتهم بالآخرين واختلاطهم بالناس ومقابلاتهم و زيارتهم كانت لحساب المسيح . وتعلمت الحرص على الوقت، فلا يوجد وقت للضياع أو للهزل أو للرغي أو الكلام الذي ليس للبنيان... فكل الوقت وقت مقبول لعمل الروح .... | |
|