من هو اللاهوتي الحقيقي[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] اللاهوت هو كل ما يختص بالله ومعرفته كشخص حي وحضور محيي .
واللاهوت في حد
ذاته ليس علماً أو معرفه تخضع لتسلسل الفكر أو منطقه ، أو لمن له القدرة
على البحث والتدقيق العلمي والاستيعاب والقدرة على الحفظ والاستذكار !!!
أو هو علم دراسي مطروح للمناقشة ومتروك للحجة والبرهان ، فمن هو برهانه أقوى هو الدارس والواعي للفكر اللاهوتي السليم !!!
اللاهوت ليس معلومات عن الله ، تأخذ وتحفظ وتُطرح لمجرد مناقشة بالحجة وبرهان الفكر العقلي وبراعة الأشخاص في جريان الحديث وسياقه المتزن ، أو هو بحث المفكرين الكبار ليس للعامة أن يخوضوا فيها ؛ ولكنهُ في عمقه هو خبرة ما يفوق العقل ، أي
إشراق النعمة على عقل الإنسان فيصير المصطلح اللاهوتي نور النفس وإشراق
للعقل ، فيصبح عقل الإنسان مستنير بنور الله ، بل والنفس أيضاً تشع نوراً
، فتتحول المصطلحات اللاهوتية من مجرد معلومات وأفكار عن الله إلى إشراق
نور النعمة وفرح القلب الذي رأى الله في داخله ففرح..
وعلى ذلك لنا أن نُدرك أنه ليس لاهوتياً من يحمل شهادة من معهد لاهوتي، (1) فاللاهوتي – في الأساس – إنسان يحيا في محضر الله الحي ، في لقاء دائم ومستمر ، فيستنير ويزداد نور من الله الذي يشرق على قلبه وفكره بنوره الحلو ...
والحياة مع الله حياة توبة في عمق محضر الله ، أي أن اللاهوتي من يقرب لله بالتوبة ويحياها ، فالتوبة ليس علم مدرسي لاهوتي ، نتكلم فيه عن لاهوت التوبة في حياة الإنسان كفعل مجرد من حضور الله ، بل
اللاهوتي الحقيقي هو من يقرب من محضر الله فيرى نفسه ظلمة فيطلب النور
الإلهي أن يشرق على قلبه فيتغير ويصبح إنساناً نورانياً ، وتنحل الظلمة
فيه بسهولة بقوة نور الله الحي الطارد كل ظلمة ومبددها :
وبذلك يصبح الله هو " النور الحقيقي الذي يُنير كل إنساناً آتياً إلى العالم " ( يو1: 9 )
طريق معرفة الله أو التكلم بالإلهيات هوَّ اتحادنا الحقيقي بالكلمة أي بشخص المسيح كلمة الله (2) ولذلك أعطت الكنيسة اسم لاهوتيين إلى أشخاص لم يدخلوا معاهد جامعية مثل:
القديس يوحنا الرسول والقديس إغريغوريوس
والأنبا أنطونيوس الكبير وغيرهم من الذين امتلئوا من الروح القدس
وتشبَّعوا من النور الإلهي الذي أشرق عليهم بإشراق نوره البهي ، فهم لم
يدخلوا مدارس أو منهجوا الكتاب المقدس ووضعوا له قواعد مدرسية للقراءة
والحفظ للتسميع أو لخروج لاهوتيين يحفظون منهج
وهكذا يكون المسيحي الحقيقي ، لاهوتي بطبعة ، أي هو الذي يقرب من الله ويعيش الفضائل الإلهية : الإيمان والرجاء والمحبة ، ويشتاق ويستمرّ في الشوق لمعرفة أدق لله ، تحوَّله
من الداخل ، وتوطّد اتحاده بالله ، وتجعله بالتالي أقدر على المحبة. وإذ
يسعى ليجد الله ، الله هوَّ الذي يجده ؛ وإذ يسعى إلى الحقيقة الإلهية
فهيَّ التي تسود عليه وترفعه إلى مستواها.
لِذا يقول القديس إغريغوريوس النيصي: (( أن
تجد الله يعني أن تبحث عنه بلا انقطاع..والحقّ أن من لا يشبع من الشوق إلى
الله فهوَّ الذي يعرف الله..فالله هوَّ من يُبحث عنه أبدا ))
عموماً وباختصار
إن لاهوت الخبرة –
أي علاقتنا مع الله الحي – هوَّ الذي يُعلّم الموقف الصحيح الذي يجب أن
يقفه كل لاهوتي أي كل من يؤمن إيمان حقيقي ؛ فإننا لا نتفلسف ونُصيغ عبارات ونضع قوانين وإنما نتحول أي نتغير، وهذا التحول أي التغيير الدائم يكون لصورة الله ، أي التشبع بشخص الكلمة حتى نصير معهُ واحداً: "نتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح"(حسب قول القديس بولس الرسول )
وفي هذا التحول
المستمرّ الدائم ، يُشاهد الإنسان بعقل مستنير بنور الحق الإلهي بعمل
الروح القدس في القلب : الثالوث القدوس الواحد الوحيد الله محب البشرّ ،
أي يرى الله ثالوث ويراه الله الواحد في نفس ذات الوقتوهذه الخبرة اللاهوتية لا تُمارس إلا بالصلاة التي هيَّ ثمرة الإيمان والمحبة
ولا بد من أن نتيقن أن هذه الخبرة لا تتم بفعل جُهد الإنسان ، بلّ بفعل الروح القدس ، الذي يُحوّل النفس المؤمنة من الداخل ، وهيَّ بدورها تطيع عمل الروح القدس بمساهمة حُرة ومسئوله.
والكل ( في الكنيسة
من أصغر صغير لأكبر كبير فيها ) يشترك في هدف واحد هوَّ الامتلاء من الله
والاتحاد به ، عن طريق الإفخارستيا والصلاة التي لا يُمكن لغيرها أن يُهيئ
قلب ووجدان الإنسان لاستقبال شخص الله الكلمة ، والصلاة بعمقها الحلو تبقى
مرتبطة بالحياة والعمل ، وليست تهرباً من الواقع والمسئولية فهيَّ إذ
تقربنا وتوحدنا بالله في سرّ الإفخارستيا ولقاء المخدع المحبب لكل نفس ،
تجعلنا أكثر قدرة على محبة جميع الناس مهما كانوا وأينما كانوا ، وأكثر
قدرة على العمل وبناء المجتمع برؤية ومحبة عميقة ..
هذا هوَّ عمق إيمان
المسيحي الحقيقي الذي هو شخص لاهوتي بطبعة ، وهذا العمق هو الذي يضع
مسئولية على عاتق كل مسيحي لكي يكون ذلك الوجه الذي يظهر به الله اليوم
لهذا الجيل
_____________
(1) طبعاً
الدراسة مهمة للذين وهبهم الله حب الدراسة ولكن من المهم هوَّ أن لا تكون
الدراسة مجرده من الإيمان وعمل الله وإشراق النعمة على القلب والفكر،
فمباركة هي الدراسة التي تُمزج بالإيمان ومحبة الرب من كل القلب والفكر
والوجدان فالمصطلح اللاهوتي لن يبقى حبيس العقل بل سيتحول لقوة نور إلهي
يفتح البصيرة ويقوي النفس ويُشعل الحب ليس فقط للإنسان الدارس بل لكل من
يرى فيه نور النعمة..
(2) وطبعاً
المقصود هوَّ أننا نصير مع الله واحد وليس تحول جوهرنا الإنساني إلى جوهر
الله أو تحول طبيعة الله إلى طبيعتنا. والله أعطانا طريقة الاتحاد به
وهوَّ من خلال أروع سرّ أعطاه لنا هو سرّ الإفخارستيا وسرّ الكلمة.